تزداد حدة الهجمات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي على لبنان، وتزداد أعداد الصواريخ التي يطلقها حزب الله وتتوسع دائرة استهدافاته. ورغم أن الهجمات الإسرائيلية متركزة بشكل أساسي في الضاحية الجنوبية ببيروت التي تعد المعقل الرئيسي لحزب الله، فإنها في النهاية تعد انتهاكاً صارخاً للسيادة اللبنانية. كما أن الضحايا ليسوا من مقاتلي حزب الله فحسب، بل من المدنيين أيضاً، وفي الآونة الأخيرة بدأ الجيش اللبناني يعلن عن وقوع قتلى وجرحى بين صفوفه.
الأمر الذي يطرح سؤالاً مهماً حول الجيش اللبناني وتسليحه، وهل يقدر على التصدي للعدوان الإسرائيلي على أراضي الدولة اللبنانية. والسؤال الأهم هو حول العقيدة القتالية للجيش اللبناني، وما الخطوط الحمراء بالنسبة له، التي عندها سيكون التدخل أمراً حتمياً بعيداً حتى عن المقدرة العسكرية؟
تأتي هذه الأسئلة مع دخول الحرب الإسرائيلية على لبنان مرحلة جديدة؛ فقد انتقلت من الهجمات الجوية المفاجئة إلى حالة الاستعداد للغزو البري. وبدأت إسرائيل على مدار الأيام الماضية حالة من الاستطلاع بالنار، تحاول بها معرفة نقاط القوة والضعف لدى مقاتلي حزب الله، لعل الجنود الإسرائيليين يجدون لأنفسهم ثغرة ينفذون منها إلى العمق اللبناني.
يتكون الجيش اللبناني كباقي الجيوش من قوات برية وبحرية وجوية. ويحتل المرتبة 118 ضمن جيوش العالم البالغة 145 جيشاً، وهي مرتبة متأخرة نسبياً، مقارنة بحجم التهديد الذي يواجهه الجيش اللبناني، وما كان يجب أن يكون عليه من المقدرة العسكرية.
تتضح الصورة أكثر بمعرفة الأعداد الفعلية للجنود في كل جانب. فإجمالي قوات الجيش اللبناني في أكبر التقديرات المتاحة لا يتخطى حاجز 73 ألف جندي؛ قرابة الـ60 ألفاً منهم في القوات البرية، أما الدفاع الجوي فينشط فيه قرابة 1500 جندي، ونفس العدد تقريباً في القوات البحرية.
منذ تأسيس الجيش اللبناني في عام 1945، وحتى اليوم، لا تزيد عدد دباباته على 360 دبابة، ونحو 10 آلاف سيارة مدّرعة، إضافة إلى 84 مدفعاً ذاتي الحركة، و374 مدفعاً ميدانياً، و30 راجمة صواريخ. أما في ما يتعلق بالقوة البحرية، فيمتلك الجيش 86 قطعة بحرية منها 22 سفينة دورية. وبالنسبة لقوته الجوية فتتكون من 78 طائرة تشمل تسع طائرات هجومية، وتسع طائرات تدريب، و60 مروحية عسكرية.
ويقع المقر الرئيسي للقوات المسلحة اللبنانية في اليرزة في المنطقة الجنوبية الشرقية من العاصمة بيروت. وجدير بالذكر أن 5% من نسب الجنود المذكورة أعلاه هي من المجنّدات الإناث؛ ففي أواخر الثمانينيات سمحت لبنان للإناث بالالتحاق بالجيش.
كل فرق الجيش وأفرعه تخضع لقيادة العماد، والعماد هي الرتبة التي تُمنح لمن يتم اختياره قائداً للجيش. ويكون اتصال العماد مباشرة مع وزير الدفاع. وفي الأصل فإن وزير الدفاع هو الذي يقترح اسم قائد الجيش، ويقوم مجلس الوزراء بالتصويت وتأكيد الاسم أو استبداله. ويقود الجيش اللبناني حالياً العماد جوزيف عون.
من التركيبة البشرية للجيش اللبناني ومن طبيعة العتاد يتضح أن الجيش اللبناني يقارب قوة متطورة لمكافحة الشغب. أي يمكن القول إن الهدف الأساسي لتركيبة الجيش اللبناني هو الحفاظ على الأمن داخلياً، والحرص على عدم نشوب أي اقتتال داخلي، لأن الإمكانات التي يحوزها الجيش لا تسمح له بالدفاع النشط عن لبنان ككل ولا حتى عن ثكناته نفسها. كما لا تسمح له أن يشن هجوما فعالاً على أي جهة خارجية.
وهو ما تجلى في حرب يوليو 2006 إذ قام الجيش الإسرائيلي بقصف عدد من ثكنات الجيش اللبناني ومراكزه. مما استدعى رداً من الجيش اللبناني، لكنه كان رداً لا يرقى لمستوى الحدث، إلا أنه كان في حدود الإمكانات المتاحة له. كإطلاق بعض الأسلحة المضادة للطائرات على الطائرات الإسرائيلية لإجبارها على الانسحاب. بينما تركز جل نشاط الجيش على مساعدة النازحين، وتنسيق أعمال الإغاثة والمحافظة على النظام في المدن اللبنانية.
وقد صدر تصريح رسمي من حزب الله عام 2006 ليؤكد أن الدولة اللبنانية لا تتحمل مسئولية العملية التي شنّها على قوات الاحتلال لأسر وقتل جنود إسرائيليين، واندلعت الحرب على إثرها، وقال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله آنذاك إن العملية فردية.
تلك الحالة التي آل إليها الجيش اللبناني هى نِتاج عديد من العوامل أبرزها، وفقاً لشهادات عديد من الضباط رفيعي المستوي في الجيش اللبناني، هو الضغط الأمريكي المتواصل على الحكومات اللبنانية لمنعها من الحصول على أي أسلحة متطورة قد تشكل تهديداً لإسرائيل.
ويعد ضغط الولايات المتحدة مؤثراً إذ إنها المانح الرئيسي للجيش اللبناني. وكانت هي مصدر الرواتب التي يتلقاها جنود الجيش في فترة من الفترات. وحتى الأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة للبنان تنحصر في المركبات المدرعة ولوازمها وبعض الأسلحة الفردية الخفيفة. وهو ما لا يُقارن بأي حالة من حجم ونوعية الأسلحة الأمريكية التي تتقاطر على إسرائيل تباعاً، وزادت بمعدل مهول منذ السابع من أكتوبر 2023.
قد لا يكون الأمر مرتبطاً فقط بالسلاح والعتاد. فكما قال الجنرال منير شحادة منسق الحكومة اللبنانية السابق لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، إن الجيش اللبناني لا يمتلك، مثل أي جيش عربي القدرات التي تمكنه من مواجهة العدو الإسرائيلي، وأضاف أنه مع الجيش الإسرائيلي لا يوجد قتال مناسب إلا حرب العصابات على غرار ما يحدث في غزة.
وحتى لو حقق الجيش اللبناني في أي مرحلة من مراحله قفزة نوعية في العتاد العسكري، فسيظل الأمر ناقصاً. هذا النقصان يأتي باعتراف الجيش اللبناني على موقعه الرسمي. يقول أحمد علو عميد متقاعد في دراسة بحثية نشرها موقع الجيش اللبناني، إنه مهما زاد العتاد فستظل خطوات الجيش غير مكتملة لأنها لم تقترن بوضع سياسة دفاعية واضحة، وذلك بسبب الخلافات السياسية حول تحديد هوية الدولة ودور هذا الجيش.
يرى علو كذلك أن نضوج الجيش اللبناني لن يتم إلا إذا اقترنت عملية إعادة تنظيم وحداته بوجود عقيدة قتالية معيّنة أسوة بباقي الجيوش، وما لم يتم إنشاء وحدات تنظيمية كبرى كالألوية أو الفرق، وتخلى عن نظام الأفواج المستقلة والكتائب، وما لم تنحصر السلطة الهرمية في يد القيادة العليا التي تمارسها بمركزية ضيقة ومباشرة سواء في الدفاع الخارجي أو في حفظ الأمن الداخلي.
السؤال الآخر المشروع هو عن ماهية دور الجيش اللبناني في الأزمة الطاحنة التي يمر بها لبنان اليوم.
تنكشف طبيعة ذلك الدور من خريطة انتشار قوات الجيش؛ إذ كثّف الجيش من وجود قواته في المناطق التي يعدها الجيش حساسة، وهي المناطق التي نزح إليها سكان الضاحية الجنوبية، خصوصاً بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
فالجيش يُرجِّح تزايد حالة التوتر بين الجماعات المختلفة في لبنان، خصوصاً وأن النزوح سيكون لمناطق قد لا تتفق مع مذهب حزب الله أو ربما تراه متسبباً في ما يحدث في لبنان حالياً. لذلك يصر الجيش اللبناني في بياناته على دعوة المواطنين للحفاظ على وحدة البلاد، وتجنب النعرات الطائفية والمذهبية في الظروف الراهنة.
كما أن الجيش اللبناني ينوي الوجود في الجنوب بكثافة حال توصلت الأطراف إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. لكن هذا الانتشار الكثيف يحتاج بدوره إلى أعداد أكبر من الجنود، وهو ما يتطلب أموالاً أكثر، لا يملك منها الجيش اللبناني ولا لبنان ككل الكثير.
لهذا نجد أن كافة التصريحات الرسمية اللبنانية لا تتطرق لاحتمالية الدخول في الصراع الدائر، ولو حتى على مستوى التهديد؛ فقد قال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، إن إسرائيل انتهكت سيادة لبنان وتعتدي يومياً على المدنيين، لكن الحل لن يكون إلا سياسياً عبر تطبيق القرارات الدولية.
ليكون التصريح السابق وغيره من التصريحات تصديقاً عملياً على تصريح سابق قاله العميد احتياط في جيش الاحتلال عساف أوريون، إن الجيش اللبناني هو «جيش أليف». وأضاف أوريون أن الجيش اللبناني يتلقى التبرعات من عديد من الحكومات الغربية وتزوِّده الأمم المتحدة بالوقود والطعام. وهو ما يؤكده رئيس قسم الأبحاث في مركز «ألما» الإسرائيلي تال بئيري بقوله، «إن أسلحة الجيش اللبناني قديمة ولا يمكن أن تُشكِّل بشكل من الأشكال تهديداً للجيش الإسرائيلي».
يعني ذلك أنه لا أحد من طرفي الصراع أو من العالم عامة، ينتظر من الجيش اللبناني التدخل في الحرب الحالية أو أي حروب مستقبلية بين حزب الله وإسرائيل. وأن الجيش اللبناني ينتظر أن تقوم قوات حزب الله أو غيرها من قوات المقاومة بمهمة الدفاع عن لبنان ضد العدوان. وحتى لو لم تعلن الحكومة ذلك بشكل رسمي إلا أن الواقع يؤكد هذه الحقيقة.